طرائف اللغويين بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد : يتّسم أهل اللغة بالجد والمثابرة في التحصيل ، ولكنهم يعرفون البسمة والفكاهة ، وعندهم طرائف ومُلَح ومواقف لا تُنسى ، وأنقل
لكم بعضًا من هذه القصص التي ترويها كتب الأدب العربي للإمتاع والتعلم في
آن معًا ، فلربما نأخذ المعلومة اللُّغوية السريعة عن طريق هذه الحكايات ،
فلندقق النظر بها لتكون الفائدة المرجوة منها أكبر. روي أن رجلا قصد سيبويه لينافسه في النحو فخرجت له جارية سبيويه فسألها قائلا : أين سيدك يا جارية ؟ فأجابته بقولها : فاء إلى الفيء فإن فاء الفيء فاء . فقال : والله إن كانت هذه الجارية فماذا يكون سيدها ، ورجع. قال أحد النحاة : رأيت رجلا ضريرًا يسأل الناس يقول : ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ... فقلت له : يا هذا ... علام نصبت (ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا) فقال الرجل : بإضمار ارحموا .... قال النحوي : فأخرجت كل ما معي من نقود وأعطيته أياه فرحًا بما قال. عن
الحسين بن السميدع الإنطاكي ، قال : كان عندنا بإنطاكية عامل من حلب وكان
له كاتب أحمق . فغرق في البحر ( شلنديتان) من مراكب المسلمين التي يقصد
بها العـدو ، فكتب ذلك الكاتب عن صاحبه إلى العامل بحلب يخبره : بسم اللـه الرحمن الرحيـــم . اعلم أيها الأمير أعزه اللـه تعالى أن شلنديتين (أعني مركبين) قد صفقا من جانب البحـر (إي : غرقا من شدة أمواجه) فهلك من فيهما (أي : تلفوا) . قال
: فكتب إليه أمير حلـــب : بسـم اللـه الرحمن الرحيم ، ورد كتابك (أي :
وصل) ، وفهمناه (أي : قرأناه) ، أدِّب كاتبك (أي : اصفعه) ، واستبدل به
(أي : اعزله ) ، فإنه مائق (أي : أحمق) ، والسلام (أي : انقضى الكتاب)
وعن
ابن هشام الأنصاريّ قال : قلت يوما : تـَــرِدُ الجملة الإسمية الحالية
بغير واو في فصيح الكلام خلافـًا للزمخشري كـقوله تعالى { ويوم القيامة
ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } الزمر 60. فقال بعض من حضر : هذه الواو في أولها !!؟ قال
أحد النحاة : كنت أشرح لطلبتي موضوع "المبني من الأسماء" ، ووضّحت لهم أنّ
العلم المختوم بـ"ويهِ" يبنى على الكسر، مثل "سيبويهِ". ثمّ طلبت منهم ذكر أمثلة غير الذي ذكرته : فمنهم من ذكر "خالويه". وآخر ذكر "نفطويه". والأخير ذكر "بأبويهِ". قال رجل لسعيد بن عبد الملك الكاتب : تأمر بشيئًا ؟ قال نعم بتقوى الله وإسقاط ألف شيء!! كان
أبو علقمة من المتقعرين في اللغة وكان يستخدم في حديثه غريب الألفاظ ، وفي
أحد الأيام قال لخادمه : أصقعت العتاريف؟ ، فقال الخادم : زيقيلم ، فتعجب
أبو علقمه وقال لخادمه : يا غلام ما زيقيلم هذه؟، فقال الخادم : وأنت، ما صقعت العتاريف هذه ؟ ، فقال أبو علقمة معناها : أصاحت الديكة ؟ ، فقال له خادمه : وزيقيلم معناها : لم تصح!! وقال أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزار : قال رجل لرجل : قد عرفت النحو إلا إني لا أعرف هذا الذي يقولون: أبو فلان وأبا فلان وأبي فلان ؟ فقال له: هذا أسهل الأشياء في النحو إنما يقولون: أبا فلان لمن عظم قدره وأبو فلان للمتوسطين وأبي فلان للرذلة. عن
أبي القاسم الحسن قال: وقف نحوي على رجل فقال : كم لي من هذا الباذنجان
بقيراط ؟؟ ، فقال: خمسين فقال النحوي : قل خمسون ، ثم قال: لي أكثر
، فقال: ستين قال: قل: ستون ، ثم قال: لي أكثر فقال: إنما تدور
على مئون وليس لك مئون.
حكى أبو بكر التاريخي في كتابه أخبار النحويين : أن رجلا قال لسمَّـاك بالبصرة : بكم هذه السمكة ؟ فقال السماك : بدرهمان... فضحك الرجل !!! فقال السماك : أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول : ثمنها درهمان !! حكى العسكري في كتاب التصحيف أنه قيل لبعضهم : ما فـَـعَـلَ أبوك بحمارِهِ ؟ فقال : باعِــهِ (بكسر العين) ، فقيل له : لم قلت "باعِــهِ" ؟ قال : فلم قلت أنت "بحمارهِ"؟ ... قال الرجل : أنا جررته بالباء ؟، فرد عليه بقوله: فلم تجر باؤك وبائي لا تجر !!؟ عن أبي زيد الأنصاري قال : كنت ببغداد فأردت الانحدار إلى البصرة
فقلت لابن أخ لي : اكتر لنا .. فجعل ينادي : يا معشر الملاحون .. يا معشر الملاحون.. ، فقلت : ويحك ... ما تقول جعلت فداك ؟؟!!
فقال: أنا مولع بالرفـــــع .
كان
لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه ، فاعتل أبوه علة شديدة أشرف فيها على
الموت ، فاجتمع أولاده عليه وقالوا له ندعو فلانا أخانا قال : لا إن جاء
قتلني ، فقالوا نحن نوصيه ألا يتكلم فدعوه فلما دخل عليه قال : يا أبت قل
لا إله إلا الله تدخل الجنة وتفوز من النار ياأبت والله ماشغلني عنك إلا
فلان فإنه دعاني بالأمس فأهرس وأعدس واستبذج وسكبج وطهبج وأفرج ودجج وأبصل
وأمضر ولوزج وافلوزج ، فصاح أبوه : أغمضوني ... وقف نحوي على بياع يبيع أرزًا بعســل وبقلاً بخلّ فقال : بكم الأرزز بالأعسل والأخلل بالأبقل ؟ فقال : بالأصفع في الأرؤس والأضرط في الأذقن . أصر أحد المهتمين بالعربية على أن يتحدث أولاده بالفصحى ، وذات يوم طلب من إحدى بناته أن تحضر له قنينة حبر. أحضرت
ابنته القنينة ، وخاطبته : هاك القََنينة يا أبي ( بفتح القاف ) ، فقال
لها : اكسريها ( يقصد كسر حرف القاف ) ، فما كان من البنت إلا أن رمت
القنينة على الحائط بقوة ، فتناثر الحبر ملوثا الجدار وما جاوره من فرش. روى
ابن الجوزي قال: عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: كان عندنا رجلٌ لحّان ،
فلقيَ رجلاً مثله ، فقال : من أين جئت؟ ، فقال:من عند أهلونا ، فتعجّب منه
، وحسده ، وقال : أنا أعلمُ من أين أخذتـَها ، أخذتـَها من قوله تعالى :
((شغلتنا أموالنا وأهلونا))!! زار أحدهم نحويًا مريضًا ، فقال له : ما الذي تشكوه؟ فقال النحوي : حمى جاثية ، نارها حامية ، منها الأعضاء واهية ، والعظام بالية. فقال له الرجل : لا شفاك الله بعافية ، ياليتها كانت القاضية! و
سأل نحوي تلميذه - وكان التلميذ يومها مغمومًا - : كيف الحال؟ فأجاب
التلميذ : إن كانت الحال التي علمتنا فمنصوبة ، أما حالي فمكسورة ، و في
الغد سأله : يا تلميذ ألم تنتصب حالك بعد؟ فأجاب : هي اليوم مرفوعة. -أي
ذهب عنه الغم- ، فقال النحوي: لم تعد بهذا حالاً .فأجاب التلميذ : بل هي
حال جاءت جملة فعلية فعلها مضارع. فدهش النحوي و قال له : أنت اليوم أنحى
مني و الله. قال ابن الجوزي: لقي نحوي رجلا وأراد الرجل أن يسأله عن أخيه وخاف أن يلحن ، فقال أخاك أخوك أخيك ها هنا ؟ ، فقال النحوي : لا لو لي ما حضر. وعن أبي القاسم الحسن قال: كتب بعض الناس (كتبت من طيس) يريد (طوس) ، فقيل له في ذلك فقال : لأن (من) تخفض ما بعدها فقيل : إنما تخفض حرفًا واحدًا لا بلدًا له خمسمائة قرية. وعن ابن أخي شعيب بن حرب قال : سمعت ابن أخي عمير الكاتب يقول وهو يعزي قومًا: آجركم الله وإن شئتم أجركم الله كلاهما سماعي عن الفراء. وعن عبد الله بن
صالح العجلي قال: أخبرني أبو زيد النحوي قال : قال رجل للحسن : ما
تقول في رجل ترك أبيه وأخيه ، فقال الحسن : ترك أباه وأخاه ، فقال
الرجل: فما لأباه وأخاه ، فقال الحسن : فما لأبيه وأخيه ، فقال الرجل
للحسن : أراني كلما كلمتك خالفتني. جاء
رجل الى احد النحويين فسأله : «الظبي معرفة او نكرة؟» ، فقال : اذا كان
مشويًا على المائدة فهو معرفة! وان كان يسرح في الصحراء ، فهو نكرة، فقال
له الرجل: { أحسنت ما في الدنيا أعرف منك بالنحو!} قصد أبو هشام باب الحجاج بن يوسف فأنشده : "أبا هشامٍ ببابِك .. قدشم ريح كبابِك" فقال ويحك لم نصبت أبا هشام ؟ فقال الكنية كنيتي إن شئت رفعتهاوإن شئت نصبتها ...