أصبحت السرعة أحد السمات
الأساسية التي تسعى جيوش العالم الحديثة لضمانها لأن سرعة الوصول لمكان
المعركة قد يكون سبباً حاسماً لتحديد نتيجتها. لكن إذا كانت فكرة السرعة
تبدو منطقية جداً في الجو وعلى اليابسة إلا أنها تختلف تماماً في البحر
لأن مقاومة الماء أكبر بألف مرة من مقاومة الهواء! ولتستوعب
تلك الفكرة أكثر تذكر حجم الجهود الذي تبذله عند السباحة ومدى الإرهاق
الذي تشعر به بعدها بسبب مقاومة الماء واحتكاكه مع جسمك، أضف إلى ذلك أن
زيادة السرعة سيؤدي إلى زيادة مقاومة الماء، ثم أضف إلى ذلك كله أن الغوص
في الأعماق محاطاً بالماء بالكامل أصعب كثيراً من السباحة على سطح الماء،
ولذا عمل المهندسون والعلماء العاملون في مجال البحرية على إيجاد حلول
لهذه المشاكل من خلال تقليل الاحتكاك مع الماء قدر الإمكان عن طريق نقليل
مساحة الأجزاء الملامسة للماء!!
ولكن كيف يمكن أن تقلل الملامسة مع الماء بينما توجد الغواصة مثلاً بأكملها داخل قاع البحر؟!!
سؤال صعب للغاية حاول العلماء
والمهندسون الإجابة عليه طوال عقود حتى وجدوا الإجابة البسيطة: من خلال
إحاطة ذلك الجسم بفقاعة أو هالة من الهواء.. بكل بساطة؟!!
الفكرة كلها تكمن في ظاهرة فيزيائية للسوائل تسمى التكهف أو التجوف cavitation وهو
تحول السائل إلى غاز عن طريق الضغط، وهي ظاهرة قديمة يرجع تاريخ اكتشافها
إلى العام 1895 حيث ساعدت المحركات التوربينية على فهم هذه الظاهرة:
فنلاحظ في هذه الصورة كيف تتكون فقاعات من الغاز حول شفرات مروحة محرك السفن بسبب تحرك الشفرات بسرعة عالية، والقاعدة بسيطة:
عندما تزيد السرعة يقل الضغط، وعندما يقل الضغط في ظروف معينة يتحول السائل إلى غاز.
ولذا بدأ الروس بعد الحرب العالمية الثانية تطوير طوربيدات تستخدم هذا الاكتشاف من خلال إحاطة الطوربيد بأكمله بالغاز وهو ما يسمى Supercavitation،
ولكن بدلاً من زيادة سرعة التوربيد لتشكيل فقاعة من الغاز يقوم التوربيد
بإحاطة نفسه بالغاز من خلال احتوائه على خزانات غاز في مقدمة التوربيد
بحيث تقوم بإطلاق هذا الغاز ليحيط بجسم التوربيد فيصبح التوربيد محاطاً
بالغاز بدلاً من الماء مما يزيد سرعته بشكل كبير:
وبالفعل طور الروس توربيداً سرياً في العام
1977 يحمل اسم شكفال Shkval (أي العاصفة الثلجية بالروسية)، ووصلت سرعته
إلى إلى ما بين 350 و 500 كم في الساعة، أي أكثر من 100 متر في الثانية
(تحت الماء!!)، ثم أعلنت ألمانيا في العام 2004 عن إنتاجها توربيدات تحمل
اسم باراكودا Barracuda، تصل سرعتها إلى 800 كم في الساعة!!
وحتى عهد قريب للغاية لم تستطع أي جهة إنتاج فقاعة
غازية كبيرة تسع غواصة، ولذا لم يتم تطبيق هذه الفكرة إلا على التوربيدات
الصغيرة، حتى أعلنت داربا
DARPA (وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة )التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في العام 2006 عن أبحاث لإنتاج غواصة
تستخدم فكرة الفقاعة الغازية، ثم أعلنت أخيراً عن قيامها بتجارب واختبارات
عملية لغواصة تحمل اسم
Underwater Express تصل سرعتها
إلى أكثر من 100 عقدة (حوالي 200 كم في الساعة) بدلاً من الغواصات الحالية
التي تتراوح سرعتها ما بين 25 إلى 30 عقدة فقط، وتقوم شركة Electric Boat
بإنتاج وتطوير هذه الغواصات بالتعاقد مع DARPA، وإذا سارت التجارب كما
ينبغي فستبدأ الشركة في إنتاج غواصات يصل طولها إلى 30 متر.
أظن أنه لو نجحت هذه التكنولوجيا فستلعب الغواصات دوراً كبيراً وحاسماً في حروب المستقبل.